تقريب النحو

تقريب النحو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أآلله خيرٌ أما يشركون ؟

وبعدُ فإنَّ عِلْمَ النحوِ علمٌ جليلٌ من علوم العربية ، عَظُمَتْ فائدتُه وَ جَلَّتْ حتى طَرَقَتْ شهرتُهُ الشرقَ والغربَ ، وغَلَبَ على علوم اللغةِ حتى لا يكادُ يُعرَفُ العالِمُ باللغة إلا بمعرفتِهِ بالنحوِ وأصبحتْ كلمةُ “القواعد” عَلَمَاً على قواعِدِ النحوِ معْ أنَّ معناها ينْطَبِقُ على كُلِّ العلومِ ، بل إنَّ الكتابَ الأشهرَ في النحو يُعْرَفُ بـ “الكِتاب” ! و حَسْبُكَ من هذا معرفةً و شُيوعاً. ولا شكَّ أنَّ لعلمِ النحوِ التقديمَ و التفضيلَ ، لمِا لَهُ مِنْ تَقَدُّمٍ في الزمانِ، إذْ كانَ أولَّ ما بُدِءَ بتقعيدِهِ من القواعدِ، حين أشارَ الإمامُ عليٌّ بن أبي طالب عليه السلامُ إلى أبي الأسودِ الدُؤَلي (واسمه ظالمُ بْنُ عمرِو بْنِ سُفيانَ مِن قبيلة “دؤل” أو “الدئل” و هم بطنٌ من بكرِ بنِ عبدِ مَناةَ ينتهي نَسَبُهُم إلى كنانةَ) بكتابةِ القرآن باستخدام رُمُوزٍ تَدُلُّ على إعرابِ أواخرِ الكلماتِ و قال له : انْحُ هذا النحوَ (أي انْهَجْ هذا النَهْجَ أوْ سِرْ على هذهِ الطريقِ)، فَسَمَّى العلماءُ اللاحقونَ علمَهم بالنحو لذلك. و سارَ أبو الأسود الدؤلي على ذلك الهَدْيِ. روى أبو عبيدة قال: أخذ أبو الأسود عن عليٍّ العربيةَ، فسمع قارئاً يقرأُ: “أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهُ” فقال: ما ظننتُ أمرَ الناس قد صار إلى هذا، فقال لزيادٍ الأميرِ: ابغني كاتباً (أي جِئني بكاتب) لَقِنًا (أي فَطِناً فهيماً) فأُتِيَ بمئةِ رجلٍ فاختار منهم رجلاً من قبيلة عبدِ القيسِ فقال له أبو الأسود: إذا رأيتَني قد فتحْتُ فمي بالحرفِ فانْقُطْ نقطةً أعلاه، وإذا رأيتَني قدْ ضَمَمْتُ فمي، فانقطْ نُقْطةً بين يدي الحرف(أي أمامه أو بعده)، وإنْ كَسَرْتُ، فانقطْ نُقْطَةً تحتَ الحرفِ، فإذا أَتْبَعْتُ شيئاً من ذلك غُنَّةً (يريد التنوينَ) فاجعلْ مكانَ النُقطةِ نقطتين. فهذا نَقْطُ أبي الأسود. وروى غيرُ أبي عبيدةَ مِثْلَ هذا و الحاصِلُ واحدٌ. وههنا نُكتةٌ: فعربُ هذا اليومِ إذا سَمِعُوا “نَقْطُ المصاحفِ” و “النُقطة” و”النقطتين”، ظنوا ذلك منصرفاً إلى التنقيطِ الذي يعرفونه و هو وَضْعُ النُقَطِ على الأحرف حتى تَتَمَايَزَ الباءُ من التاءِ و الثاءِ و ما إلى ذلك. وهذا يُسمى عند العرب بالإعجام و لم يتمَّ في المصاحفِ إلى زمنِ الحجاجِ بنِ يوسُفَ الثقفي (و بقي العربُ بعدَ ذلكَ زمناً طويلاً /نحواً من مئة عام/ لا يحتاجون الاعجامَ في كلامهمُ المكتوبِ و يستغنونَ عنْهُ، إلى أنْ أصبحَ بعدَ ذلكَ و حتى أيامِنَا أمْراً لا غُنْيَةَ عنه للقراءة. أما ما صَنَعَهُ أبو الأسود فهو ما نسميه اليومَ(التشكيلَ) أو ضبطَ علاماتِ أواخرِ الأحرفِ و هو الدالُّ على الإعراب. و قد أَخَذَ العلمَ عن أبي الأسود رجالٌ أشهرهم الخليلُ بن أحمد الفراهيدي (من فرهود : حيٌّ من الأزد) و كان الخليلُ عبقريَّ زمانه ، لمْ يُرَ مثله، وهو واضع عِلْمِ العَروض و هو واضعُ أَوَّلِ مُعْجَمٍ في العربيةِ (معجمِ العينِ)، و عنه أَخَذَ تلميذُهُ سِيبَوَيْه (و هو فارسيُّ الأصلِ) وَوَضَعَ كتابَهُ الأشهرَ المعروفَ بالكتابِ. وقد ذكر فيه أنَّ كلَّ ما في ذلك الكتابِ هو من علمِ أستاذِهِ الخليل بن أحمد. ثم إنَّ علمَ النحو أيضاً كان ذا فائدةٍ كُبرى لغيرِ العرب من المسلمين كي يُقيموا ألسنَتَهُم على النُطقِ الصحيحِ للعربية و لآيات القرآن و أحاديث نبيه. وعلوم العربيةِ خمسةٌ وسادِسُها ثمرتُها و هو الأدبُ أدب العرب و تاريخ أخبارهم. أما الخمسة ، فعلمُ النحو وعلمُ الصرفِ و علمُ معاني اللغة (فقه اللغة) و البيانُ و العَروضُ. أما علمُ النحو فَيُعْنى بدراسةِ تغيراتِ أواخرِ الكلماتِ والتي تدلُّ على تَغَيُّرِ إعرابِ الكلمة بِتَغَيُّرِ وظيفتِها في الجملةِ و يُعنى أيضاً بتِبْيانِ معنى الجملةِ ودقائقِ اخْتلافِ هذا المعنَى باختلافِ ترتيب الكلامِ و نوع الحروفِ و الأفعال و الأسماء المستخدمة. ومن المحزنِ و المؤسفِ أن هذا الغَرضَ الأخير، لم يأخُذْ حَظَّاً كبيراً من البحثِ و الاهتمامِ والعنايةِ مِنْ قِبَلِ النُحاة القدامى ، بل لم يظهرْ على كَرِّ العصور ومَرِّ الأزمانِ من اعتنى بذلك إلا الشواذُّ القليلُ و نذكر منهم في عصرنا هذا الأستاذَ الفاضلَ فاضلَ السامرائيَّ أستاذَ العربيةِ بجامعةِ بغدادَ سابقاً. وقد استفدْنا من كتبهِ ومحاضراتِه الثرية ما لا يُحصى ولا يُنكر ، وأَخُصُّ كتابَهُ: معاني النحو. فوجب التنويه بمقام الشكر له.

Look at this example :

وَ إذِ ابْتَلٰی ﺍﺑﺮٰﻫﻴﻢَ ﺭﺑُّﻪُ…

And when Ibrahim was tested by his Lord…

A slight misreading of the final harakaat of two words – with no change in word order – from “Ibraheema” to “Ibraheemu” and “rabbuhu” to “rabbahu” would lead to a total misunderstanding that would say,

“And when Ibrahim tested his Lord…”

و إذ ابتلى إبراهيمُ ربَّه

الإعراب والبناء

غَلَبَ على عادةِ النحاةِ أنْ يَبْدَؤُوا كُتُبَهم أو كلامَهُم على “النحوِ” بتقسيمِ الكَلِمِ إلى: اسمٍ و فعلٍ و حرفٍ ، و التفريقِ بينَ الكَلِمِ والكلامِ والقَوْلِ.

فالكلام هو ما اجتمعَ فيه شيئان: اللفظ والإفادة. واللفظُ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف(أُخِذَ منْ لَفَظَ إذا أخرَج من فمه شيئاً). والإفادة هو معنى يَحْسُن السكوت عليه كقولك : زيدٌ عالمٌ، الشمس طالعة، ذهبْتُ إلى مكة.

أما الكَلِمُ فهو اسمُ جنسٍ جَمْعِيٌ، دالٌّ على جنْسِ الكلام وَوَاحِدُهُ:”كَلِمَة”. ولأنَّهُ جَمْعٌ فَأَقَلُّ ما يَقُومُ بِهِ ثلاثُ كلماتٍ (ولا يُشْتَرَطُ فيه الإفَادَةُ). فقولُكَ مَثَلاً “إنْ ذَهب أبي” كَلمٌ لأنه ثلاثُ كلماتٍ وليسَ كلاماً لأنه لا يَشْتَمِلُ على إفادةٍ.

أما القولُ فهوَ عبارةٌ عن اللفْظِ الدالِّ على معنىً. فهذا عامٌّ و يَنْطَبِقُ على الكلمةِ و الكلامِ و الكلِمِ.

فنقولُ الآن:  إنَّ أنْواعَ الكَلِمِ في العربية ثلاثةٌ:

الاسْمُ والفِعْلُ والحَرْفُ.

يَلْجَأُ النُحَاةُ عادةً إلى التَمْييزِ بَيْنَ الأسماءِ و الأفعالِ بدلالاتٍ ترتبطُ بما يَدْخُلُ على أَحَدِهِمَا مِنْ تَغْييرٍ ولا يَدْخُلُ على الآخَرِ ( ونعني به هنا علامات الإعراب) ، فيقولونَ مثلاً إنَّ الاسْمَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الفِعْلِ والحَرْفِ بِخَمْسِ علاماتٍ:

  1. الجَرُّ: والمرادُ به الكَسْرَةُ التي يُحدِثُهَا عامِلُ الجَرِّ (وهوَ -أي عاملُ الجرِّ- إما حَرْفٌ أو إضافةٌ أو تَبَعِيَّةٌ، وقد اجتمعتْ في البَسْمَلَةِ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ).
  2.  التنوينُ: وهوَ نونٌ ساكنةٌ تَلْحَقُ آخِرَ الاسْمِ لَفْظَاً لا خَطَّاً، لغيِر توكيدٍ. و هو العلامة الدالّة على التنكير.
  3.  النِدَاءُ: والمقصودُ بِهِ أنْ يَكونَ الاسْمُ مُنادَىً بحرفِ النداءِ.
  4.  الْ التعريفية : وهي الدالَّةُ على التعريفِ و لها أنواع.
  5. الاسنادُ إليه: وهو أن تُسند إليه (أي تَنْسِبَ إليه) ما تحصَلُ به الفائدةُ كما في قولِك: الجِدَارُ قائمٌ و أَنَا مُؤْمِنٌ.

  6. وللفعل أربع علامات يتميز بها عن الاسم و الحرف:

    1.  قبوله تاء الفاعل: قلتُ و قمتِ و تباركتَ.
    2.  قبوله تاء التأنيث الساكنة : قامتْ وقعدتْ.(أما تاء التأنيث المتحركة فتدخل على الاسم كقولك : هي قائمةٌ)
    3.  قوله ياء المخاطبة المؤنثة : كقولك : قومي ، و اذهبي.
    4. قبوله نون التوكيد الثقيلة و الخفيفة نحو: لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرينَ.

      والحرف هو ما لم يقبل هذه العلامات التسع.

      وكما قد تَرَوْنَ، فإن هذا التمييزَ يتطلبُ أن يكون  الدارس عارفاً بالاسم أصلاً و بخمسةٍ من الأشياء تدخل عليه ،وبالفعل أصلاً و بأربعة أشياء تدخل عليه،  فضلاً عن أن هذا يَسْهل حين يقرأُ المرء نصّاً صحيحاً ليتعلمَ منه، فأما إذا ما أراد هذا الدارس (و غالباً ما لا يكون بعربي) أن يؤلف كلاماً أو يكتبه، فقد يُعْوِزُهُ أن يعرف ما هو الاسمُ أو الفعل أو الحرف بتعريفه تعريفاً حدِّيَّاً.

          فالاسم ما دلَّ على ذات أو وصف.

      والفعل ما دل على حدوثٍ في زمن أو على وجودٍ في زمن.

      والحرف ما سواهما (و قد أقول إنه أداة تستخدم لإضافة معانٍ تفصيلية على الأفعال والأسماء).

      ولكن التمييز الأشهر الذي يتميَّزُ به الاسم عما سواه(خلا الفعلَ المضارع) هو الإعراب ، فما الإعرابُ ؟

0 0 أصوات
Article Rating
اشترك
Notify of

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
نحب سماع رأيكم ، فأفيدونا من فضلكمx
()
x