تمهيد لكتاب المستصفى-٥

تمهيد لكتاب المستصفى-٥

الفن الثاني من دعامة الحد((وهي الدعامة الأولى)) في الامتحانات للقوانين بحدود مفصلة:

وقد أكثرنا أمثلتَها في كتابِ معيار العلم ومَحَكِّ النَظَرِ، ونحن الآن مقْتصرونَ على حد الحد، وحد العلم، وحد الواجب، لأن هذا النمطَ من الكلام دخيل في علم الأصول فلا يليق فيه الاستقصاء.

الامتحان الأول(حد الحد):

اختلف الناس في حد الحد، فمِنْ قائلٍ يقولُ: حدُّ الشيءِ هو حقيقته وذاتُه، ومن قائل يقول: حد الشيء هو اللفظ المفسر لمعناه على وجهٍ يمنع ويجمعُ، ومن قائل ثالث يقول: هذه المسألة خلافية، فَيَنْصُرُ أَحَدَ الحدَّيْنِ على الآخَرِ، فانظرْ كيفَ تَخَبَّطَ عقلُ هذا الثالثِ، فلم يعلمْ أنَّ الاختلافَ إنما يُتصورُ بعدَ التوارُدِ على شيءٍ واحدٍ، وهذانِ قد تباعدا وتنافرا، وما تواردا على

تمهيد لكتاب المستصفى-٤

تمهيد لكتاب المستصفى-٤

القانون الثالث:

أَصْلُ السؤال وتعريفه الصحيحُ:

إنَّ ما وَقعَ السؤالُ عن ماهيتهِ، وأردتَ أنْ تَحُدَّهُ حَدَّاً حَقيقِيَّاً فَعليكَ فيهِ وظائفُ لا يكونُ الحدُّ حقيقياً إلا بها، فإنْ تَرَكْتَهَا سَمَّيناه رَسْمِيَّاً، أو لَفْظِيَّاً، وَيَخْرُجُ عنْ كَوْنِهِ مُعْرِبَاً عن حقيقةِ الشيءِ، ومُصَوِّرَاً لِكُنْهِ معناهُ في النفس.

الأولى: أنْ تَجْمَعَ أَجْزاءَ الحدِّ مِنَ الجنسِ والفصولِ، فإذا قالَ لَكَ1- مُشيرا إلى ما يَنْبُتُ من الأرضِ- “ما هوَ؟”، فلا بدَّ أن تقولَ: “جسمٌ”، لكنْ لو اقتصرتَ عليه لَبَطَلَ عَليكَ “بالحَجَرِ”((أي لبطل تعريفُك ، لأن الحجرَ أيضاً جسمٌ))، فتحتاجُ إلى الزيادةِ فتقول: نامٍ فتحترزَ به عَمَّا لا يَنمو، فهذا الاحترازُ يُسَمَّى فَصْلاً، أي فَصَلْتَ به المحدودَ عن غيره.

الثانية: أنْ تذكرَ جميعَ ذاتياتِهِ وإنْ

تمهيد لكتاب المستصفى-٣

تمهيد لكتاب المستصفى-٣

مقدمة الكتاب

نذكرُ في هذه المقدمة مداركَ العقولِ، وانحصارَها في الحدِّ والبرهانِ، ونذكر شرطَ الحدِّ الحقيقي، وشرطَ البرهانِ الحقيقي ،وأقسامَهُما، على منهاجٍ أَوْجَزَ مما ذكرناه في كتابِ مَحَكِّ النظرِ، وكتابِ معيارِ العلمِ.

وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيطُ بها فلا ثِقَةَ له بعلومِهِ أصلاً، فمن شاءَ أنْ لا يكتبَ هذه المقدمةَ، فَلْيَبْدَأْ بالكتابِ من القطب الأولِ، فإنَّ ذلكَ هُوَ أَوَّلُ أُصولِ الفِقْهِ، وحاجةُ جميع العلومِ النظريةِ إلى هذه المقدمة، لحاجة أصول الفقه لها.

بيان حصر مدارك العلوم النظرية في الحد والبرهان:

اعلم أن إدراكَ الأمورِ على ضَرْبَيْنِ:

الأول: إدراكُ الذَوَاتِ المُفْرَدَةِ، كَعِلْمِكَ بِمَعْنَى الجِسْمِ

تمهيد لكتاب المستصفى-٢

تمهيد لكتاب المستصفى-٢

بيان كيفية اندراج الشعب الكثيرة من أصول الفقه تحت هذه الأقطاب الأربعة:

لعلك تقول: أصول الفقه تشتمل على أبواب كثيرة، وفصول منتشرة، فكيف يندرج جملتُها تحت هذه الأقطاب الأربعة؟

فنقول:

القطب الأول هو الحكم، وللحكم حقيقة في نفسه، وانقسام. وله تعلق بالحاكم( وهو الشارع)، والمحكوم عليه (وهو المكلف)، وبالمحكوم فيه (وهو فعل المكلف)، وبالمُظْهِرِ لهُ (وهو السبب والعلة).

ففي البحث عن حقيقة الحكم في نفسه يتبينُ أنَّهُ: عبارةٌ عن خطاب الشرع، وليس وصفاً للفعْلِ، ولا حُسْنَ ولا قُبْحَ ولامَدْخَلَ للعقلِ فيه ولا حُكْمَ قَبْلَ ورودِ الشرعِ.

وفي البحث عن أقسام الحكم يتبين حدُّ الواجبِ والمحظورِ والمندوبِ والمباحِ والمكروهِ والقضاءِ والأداءِ والصحةِ والفسادِ والعزيمةِ والرخصةِ وغيرِ ذلك من أقسام الأحكام.

وفي

تمهيد لكتاب المستصفى من علم الأصول-١

تمهيد لكتاب المستصفى من علم الأصول-١

مُقَدَّمَةُ الكتاب

الحمدُ للهِ القويِّ القادرْ. الوليِّ الناصرْ. اللطيفِ القاهرْ. المنتقمِ الغافرْ. الباطنِ الظاهرْ. الأولِ الآخِرْ. الذي جعلَ العقلَ أَرْجَحَ الكُنوزِ والذخائِرْ. والعلمَ أَرْبَحَ المكاسِبِ والمتاجرْ. وأشرفَ المعالي والمفاخرْ. وأكرمَ المحامدِ والمآثرْ. وأحمَدَ المواردِ والمصادرْ. فَشَرُفَتْ بإثْباتِهِ الأقلامُ والمحابرْ. وَتَزَيَّنَتْ بِسَمَاعِهِ المحاريبُ والمنابِرْ. وَتَحَلَّتْ بِرُقُومِهِ الأوراقُ والَّدفاتِرْ. وتقدَّمَ بِشَرَفِهِ الأصاغِرُ على الأكابِرْ. واسْتَضَاءَتْ بِبَهَائِهِ الأسْرارُ والضَمَائرْ. وَتَنَوَّرَتْ بأنوارِهِ القلوبُ والبصائرْ. واسْتُحْقِرَ في ضيائه ضياءُ الشمس الباهرْ. على الفَلَكِ الدائِرْ. واسْتُصْغِرَ في نورهِ الباطنِ ما ظَهَرَ من نُورِ الأحْداقِ والنواظِرْ. حتى تَغَلْغَلَ بضيائِهِ في أعْماقِ المُغْمَضَاتِ جنودِ الخواطِرْ. وإنْ كَلَّتْ عنها النواظِرْ. وكَثُفَتْ عليها الحُجُبُ والسواترْ.

والصلاةُ على محمدٍ رسولِهِ ذي العُنْصُرِ الطاهِرْ. والمجدِ المُتَظاهِرْ. والشرفِ المتناصرْ. والكَرَمِ المتقاطرْ. المبعوثِ بشيراً