٢- إرادتُك التَجْريدَ مع إقامةِ اللهِ إياكَ في الأسبابِ من الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ

٢- إرادتُك التَجْريدَ مع إقامةِ اللهِ إياكَ في الأسبابِ من الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ

إرادتُك التَجْريدَ مع إقامةِ اللهِ إياكَ في الأسبابِ من الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ وإرادتُك الأسبابَ مع إقامةِ اللهِ إياكَ في التَجْريدِ انْحِطَاطٌ عن الهِمَّةِ العَلِيَّة.

شرح الشيخ أحمد زروق:

قُلت: وإيثارُ كل واحدٍ مِنهُما، بدلاً مِن مقابِلهِ المُقامِ فيه، هو مِن الاعتماد عليهِ((يعني: إيثار المقام الآخر على الذي أنت مُقامٌ فيه يدل على أنك معتمد على هذا الآخر لحصول مقصودك و لسْتَ معتمداً على الله في مقامك الحالي)) في حُصولِ مَقصودهِ، إذ لو لم يَعتَمد (عليهِ)، ما آثرَهُ بدلاً مِن مُقابلِه، فافهم !

والناسُ ثلاثة: 

١-مُقامٌ في الأسباب، وحُكمهُ: الِرضى والصَبر والاستسلام، وعلامته استقامتها له، بِحصولِ فوائِدها العادية، واستقامته فيها، بالقيامِ بالحقوقِ الشرعية.

٢-ومُقامٌ في التَجريدِ، وحُكمُهُ: الشُكرُ والتَشميرُ وعدم الفَتَرة والتَقصيرِ، وعلامَتُه: القِيامُ بالحقوقِ والإعراضُ عن كُلِ مَخلوقٍ.

٣-ومَنْ خَرَجَ عما هو فيهِ مِن أحدِهِما، وحُكمُهُ: التَثَبتُ في الأمورِ بالانتقال للمِثلِ، حتى لا يستقيمَ بوجهٍ، فيصحُ انتقالُهُ للمقابلِ والضدِ، لأنَّ الإقامةَ علامتُها الاستقامة، وتخلُّفها إذنٌ في الانتقال ، إذ حُكمُ العبدِ أنْ يُقيمَ حيثُ أقامَهُ مولاهُ، ولا يختارَ شيئاً غيرَ ما بِهِ تولاه.

وقال في ” التنوير“: والذي يقتضيهِ الحَقُ منكَ أنْ تَمكُثَ حيثُ أقامك، حتى يكون الحَقُ سبحانَهُ هو الذي يتولَ إخراجَكَ، كما تَوَلَّى إدْخالَكَ، وليسَ الشأنُ أن تتركَ السببَ، بل الشأنُ أن يترككَ السبب.

قال بعضهم: “تركتُ السببَ كذا مرةٍ فعدْتُ إليه، فَتَرَكَني السببُ فَلَمْ أَعُدْ إليهِ”.

فَتركُ السببِ إياهُ، عدمُ استقامتِه لَهُ، أو استقامتِهِ فيه، كما تَقدم.

والتجريدُ تركُ الأسبابِ، والسببُ: العملُ فيما يتوصلُ به إلى غرضٍ دنيوي.

والشَهوةُ انبعاث النَفسِ لطَلَبِ المُلائمِ /طبعاً/ مِن حيث هو، وإنما كانت هنا خفيّةً، لأن صورةَ المطلوب وهو التَجريد مؤلِمٌ بِظاهِرهِ، إذ هو مُفارقةُ المُعتادِ ومُخالفةِ المُرادِ لَكن في طيّهِ استعجال الراحةِ والشَهوةِ والفِرارُ مِن الكُلفةِ والتكاليف.

والانحطاط النزولُ مِن علوٍّ إلى أسفل، والهِمَّةٌ قوةُ انبعاثٍ في النَفسِ إلى مَقصودٍ ما، تَعْلو بِعُلُوِّهِ، وتَسفُلُ بِتَسَفُّلِهِ. وإنما كانَ تَسَبُّبُ المُتَجَرِّدِ انحطاطاً، لاستبدالِهِ بالراحةِ التعبَ، وبالسَلْوَةِ الشغَبَ، وتَعرُّضِهِ لأسبابِ العَطب، بمخالطته للأغيار، ومُفارَقَتِه الأنوارَ، ولِذلكَ قيل:

مَن لَم يأبق مِن مشاركةِ الأضدادِ في الأسبابِ فهو خَسيسُ الهِمةِ.

ثُمَ إرادةُ العَبدِ لا تساوي شيئاً لِتوقُفِها على إرادةِ الحَقِ، فاشتغالُه بإرادةِ غير ما أقيم فيهِ، إساءةُ أدب بغيرِ فائدة، وبيانُ ذَلِكَ فيما بيّنهُ المؤلف إذ قالَ:(سوابِقُ الهِمم لا تخرِقُ أسوار الأقدار)

شرح الشرح:

قُلتُ: هَذِهِ حِكمَةٌ عظيمةُ الشأنِ خَطيرةُ الأثرِ لو تنبّه إليها مُسلِمو اليومِ وفَهِموها حق الفَهمِ -المُشتَغلينَ بالسياسةِ أَخُصُّ-لأراحوا أنفُسَهم ومَنْ سِواهُم وإلى اللهِ المُشتكى.

فأقول: الأسبابُ هي الوسائِلُ التي جَعَلها اللهُ لِخلقه موصِلةً إلى غاياتِها على سُنّةٍ إلهيةٍ كونيةٍ مُطّرِدة، وهي جمعُ سَبَب، والسبَبُ في الأصلِ هو الحَبلُ، قالَ تعالى: (مَن كانَ يظنُ أن لن ينصُرَهُ اللهُ في الدُنيا والآخرة فليمدُد بِسبَبٍ إلى السماءِ ثُم ليقطع فلينظُر هل يُذهِبَنّ كيّدُه ما يَغيظ) (الحج-١٥).

وكُلّنا نَعرِفُ أمثِلةً مِنَ الأسبابِ، فمنَ أراد أن يحوزَ إجازةً (شهادةً) في علمٍ مِنَ العلومِ، جدّ واجتَهَد ودرَسَ حتى ينالَها، ومَن يُرِدْ أن يُشفى مِن مرَضٍ ألمّ بِهِ، أو وَجَعٍ حلّ عَلَيه، يتَطببْ عِندَ الأطِباءِ ويصبِرْ على أوامِرِهِم وعِلاجِهِم.

أما التَجريدُ فهو تَجريدُ اللهِ العبدَ عنِ الاحتياج للأسبابِ وهو درجات:

فأعلاها الخارِقُ للعادة كالكراماتِ ونَحوِها

ثُمَ التَجريدُ عن أسبابٍ بعينِها للوصولِ إلى غاياتٍ بعينِها

ثُمَ تَجريدٌ جزئيٌ في وقتٍ دون أوقات وفي مسألةٍ دونَ مسائِل.

والحكمة تتحدث عن حالين للسالك في طريق الله (و كلنا سالكون عرفنا أم لم نعرف)، ففي الحال الأولى يكون السالك مُقاماً في الأسباب، أي لا بد له من بذلها لحصول النتيجة كما ذكرنا من الأمثلة السابقة، و معنى قولنا: “مُقام” يُحمَلُ على أحدِ معنيين: فإما أن مَقامَه يقتضي حاجتَه لبذل الأسباب دون أن يكون مكلَّفاً بالغاية، أو أن يكون فوق ذلك مكلفاً بالغاية تكليفاً شرعيا.

فإذا اشتهى السالك أن يتجرد عنها وأن يقفز فوقها متجاوزاً إياها فذلك من شهوة نفسه الخفية مهما ورَّى عن ذلك بأعذار وحُجج. ولنضرب لذلك أمثلة:

  • فتىً يطلب العلم في الجامعة لينالَ علماً وشُغلاً يَعولُ به نفسَه وأسرتَه، فيَدَعُ الجِدَّ والاجتهاد في ذاك، ويلحقُ مجموعة من   الوسائل المغرية يحصّلُ بها حُظُواتٍ وعلاقاتٍ تُنيله بزعمه كَسباً خيراً من شغله، الذي يدرسُ لأجله، دون أن تكونَ الطريقُ الثانية سهلةً ميسرةً بلا مراء (وكيف تكون سهلةً ميسرة على أمثاله بلا استحقاق منه قبلاً ؟؟ إذاً لَفَعَلَ مثلَه كلُّ الشباب الذين في سِنِّه ولبَطَلَ الحاجةُ للدرْسِ)، ثم يذهبُ يُمَوِّهُ ويَشْغُبُ على كل من ينصحه، بأنه إنما يفعلُ ما فيه خيرٌ لنفسه ولأسرته وأنه إنما يستزيد من الخير (المال ههنا) الذي يعده برخاء وافر فيما بعد. فهذا يطلب التجريد (عن الأسباب الموصلة للكسب أو الدخل كما نسميه اليوم ) و يُهمل القيام بحقه من الأسباب التي وضعه الله فيها ( وهي الدراسة و التشمير عن ساعد الجد فيها)، ثم إنه لا يَجرؤ على إظهار نفسه بتلك الصورة حتى لا يقال مجنون أو مجترئ على السنن فيزعم أنه إنما يسلك طريقاً أسرع  لنفس الغاية و الحق أنه لا يريد سلوك أي سبب، و برهانه أن تطلب منه القيام بسبب أصعب من الدراسة لنيل ما يبغي (و هو الشغل الأوفر و الكسب الأعلى) كأن ترشده مثلاً إلى قراءة مراجع في اختصاصه أو زيادة مداومته على حضور الدروس و ما إلى ذلك مما يكبر في نفسه ، فستجده منصرفاً عنها زاهداً فيها ، فدل ذلك على أنها شهوة خفية.
  • داعية إلى دين الله قد هيأه الله لذلك بأن دَرَجه في مسالك ومراتب العلوم الشرعية وسواها مما ينفع في دعوته، فبرز فيها حتى اجتمع إليه خلقٌ جعل الله هدايتهم على يديه، وكلُّ ذلك ممكنُ الدخولِ تحت مجموعِ الأسباب الموصلة إلى تغييرٍ في المجتمع أو السلطان، ولكن ذلك مشروط بإذن الله وإرادته، فكأن هذا الرجل قد استبطأ حصول ذلك في حياته أو استبعد أن يؤدي مجرد قيامه بدوره إلى حصول ما يطمع به من التغيير فقام بسلوك طريق أخرى فيها شيء من الدعوة إلى التغيير بالقوة أو ما يشبهها و فيها التدخل فيما لا يعنيه من أمر السياسة والسلطان و التحريض عليهما حتى أهلَكَ نفسه و من معه و هو بزعمه يطلب الغايةَ التي كان يبذلُ الأسبابَ من أجلها.
  • نفسُ الداعيةِ السابق إنْ هو أتعبَ نفسه في دراسة علوم أخرى أو أمور أخرى لا يستطيع أن يستقلَّ بها أو يَبْرَعَ فيها وترك ما أقامه اللهُ فيه من علوم الشرع مثلاً مما اخْتُصَّ به، وزعم أنه بذلك يريد أن يحصّل تلك العلومَ والمعارفَ ليقطعَ دابرَ الالحادِ مثلاً أو يقضيَ على نظرية التطور مثلاً حتى يُريح طلابه وسواهم وينتهي من تلك العقبات التي تقف في طريق دعوته وتجعلها صعبةً محتاجة ًإلى الصبر الكبير.

و لا يدخل في هذا المثال السابق ما لو كان الرجل المذكور قادراً على درسه و تحصيله من علومٌ أخرى بغير تضييع لما هو فيه أو لحقوق طلابه عليه ، إذ لو كان ذلك لكان تمكيناً له من الله تعالى و أسباباً وهبه الله إياها ليبذلها، و لكن المثال يقصد رجلاً ضَيَّعَ هذا بذاك زعماً منه أنه يختصر الطريق أو “ينظِّفُ السبيل” حتى يكِرَّ و يعودَ إلى علومه الأولى فيبذلها بلا تعب ولا عقبة في سبيل تحقيق غايته التي هي مطلبه الأول وهي التغيير، وكل ذلك من شهوة نفسه التي تطلب قبض الثمن عاجلاً و ترغب عن مكابدة الصبر على تعليم الناس ما ينفعهم بلا أجر.

  • كثيرٌ من الناس يفعل هذا الشيء في أعماله، كمن يُصرُّ على الاقتراض بفائدة وهو يعلم أنها حفرة لا قرارَ لها، لكنه يتعامى عن ذلك يزعمُ أنه يَحُلُّ مشاكل عمله وتجارته، ويفعل كلَّ هذا وهُوَ لاهٍ عما يُصْلِحُ تجارته ويُقيمها من كَبوتها مما شرعَه له الله ووعده البركة فيه والثواب عليه إن هو قام به على وجهه كالسعي بها وخدمتها كأفضل ما يكون.

وأصل هذا الخذلان (المتمثل بالانحراف عما أقامك الله فيه إلى طلب غيره) ضعف أو عدم ثقة بالله وحسن تقديره للمقادير، مع طمع بالنتيجة لأجل النتيجة وهو نفس الأصل الذي يؤدي إلى الحالة الثانية من الحكمة التي نبينها الآن فنقول بعون الله تعالى:

الحال الثانية أن يكون السالك مُقاماً في التجريد يعني أن يكون واصلاً إلى الغاية التي أراد الله تعالى أن يوصله إليها بغير اضطرار إلى بذل ما يُبْذَلُ مثلُه عادةً للوصول إليها، فيطلب هذا السالك استزادة من تلك الغاية (أو يغفل عن أنه مجرَّدٌ لها) فيأتي بالأسباب التي توصل إليها عادة ويؤديه ذلك إلى إفساد حال التجريد الذي كان عليه فهذا كما تَرَوْنَ انحطاطٌ عن الهمة العلية. والمقصود بالهمة العلية هنا ما كان فيه هذا السالك من إرادة التجرد والسمو عن الحاجة للأسباب فإذا رغب في سلوك الأسباب لأجل نفس الغاية التي هو مجرَّدٌ لها كان ذلك انحطاطاً عن مقام رفيع إلى مقام أسفل منه.

لاحظوا أننا نتحدث عن الأسباب والتجريد من نفس الجهة (أي من أجل ذات الغاية)، فلا يمنع أن يكون المرء متسبباً في مسائل ومجرّداً (أو حتى متجرّداً)  في مسائل أخرى. وهذا حال جُلِّ الناس خلافاً لمقام المتجرد (أو المجرّد الكامل) والذي يحدث لبعض الكُمَّلِ من العارفين بالله كما يروى عن حال عبد السلام المشيش (شيخ أبي الحسن الشاذلي) قدّسَ الله سرَّهم أجمعين.

ولنُمَثِّلْ لحالِ المنحطِّ عن الهمة العلية  بداعيتنا السابق فنقول : إن كان لهذا الرجل تأثير على طلابه و بركة جعلت منهم متنورين صادقين مخلصين له، و كان الله قد جرّده لما هو فيه بأن فرّغه لذلك و لم يكن ذلك بتدبيره و قصده و لكن بإرادة الله تعالى(كأن يوجد من يتكفل بحاجات معاشه و معاش أسرته مثلاً من طلابه ) ثم يرى هذا الداعية أنْ قد ظهرت الغايةُ التي كان يعمل لأجلها أو قَرُبَتْ و أن التغيير الذي أذن الله تعالى أن يُحْدِثَهُ في طلابه الأقربين مؤذِنٌ1 بظهور تأثيره على الأبعدين مثلاً، فيقوم و يتكلف من الأسباب ما يطيق ولا يطيق من أجل إيصال دعوته إلى قوم آخرين (ولا يتم له ذلك إلا بالتخلي أو التقصير في حق طلابه الأقربين)، فهذا لم يفهم أنه مُجَرَّدٌ لمنفعة أولئك الطلاب فقط و أنه إذا أراد الله إيصال دعوته إلى غيرهم لم يُعجزه ذلك و فرّغه له دون أن يَنْقُصَ من حظ أحد شيئاً.

أو أن يقومَ هذا الداعية (وهو مفرّغٌ لطلابه)، بشَغْلِ نفسه بعملٍ يكون الهدفُ المُعْلَنُ منه، تحفيزُ الطلاب أكثرَ، وزيادةُ فهمهم، واستفادتُهم وضمانُ أن يصبحوا في أعلى درجاتِ العلمِ والمقدرةِ على التغيير، (التغييرِ الذي لم يفارق خاطره) بحيثُ يؤديه ذلك إلى الانشغال عن طلابِه أنفسِهِم، وعن تعليمهم، بحيث يضيع المقصودُ- الذي هو مجرّدٌ له أصلاً- من حيثُ أنه يريد أن يزيدَه كمالاً (بظنِّه) بسلوكِ الأسباب، وكأن اللهَ تعالى بحاجةٍ لأسبابه حتى يُكْملَ الغايةَ التي جرّده لأجلها.

وكما ترون جميعاً فإن كلا الحالين هو انتقال عن المقام بغير إذن وهو سوء أدب مع الله تعالى، وحكم الثاني أقبح من الأول، لأن التجريد في أمر معين أعلى من الأسباب في نفس الأمر، فالنكوص عنه انحطاط كما قال الشيخ، والسليم لزوم المقام الذي أنت عليه، حتى يكون الله هو الناقل لك إلى مقام أعلى.

وليس من السهل معرفة انطباق الأمثلة العملية في الحياة على هذه المبادئ فلا بد من استشارة شيخٍ عارف بالله، لأن النفسَ خدّاعةٌ ولأن معرفة إرادة الحقِّ جلّ وعلا بحاجة إلى نور كاشف.

أذكرُ أني كنتُ أعملُ عَمَلاً  في مؤسسةٍ  و كنتُ أتقالُّه و أُظْهِرُ البَرَمَ به لما أُحسُّ في نفسي من طاقةٍ أكبرَ مما يطلبُه، و كنت أرى أني مستأهلٌ لعملٍ سواه في بلد آخر حيثُ تقدّر المواهبُ و تُجزى بأحسنِ الجزاء(و ذلكم حديث النفس دوماً)، و لم يكن السفرُ أو الانتقالُ متيسراً بطريقة سهلة أو معروفة و لكن كان مخاطرة، و كنت أستشيرُ شيخي فيُشيرُ عليّ بالصبر والبقاء ويؤملني خيراً إن رأى مني ضيقاً و مللاً، و قال لي يوماً : كان لي دكان ‎ أتَّجِرُ فيها فَقَلَّتْ البضاعةُ و مالتْ إلى النفادِ لِمَا كنتُ ألاقيه من رُكوبِ الدَيْنِ إياي و عجْزي عن السدادِ حتى أصبحَ الجلوسُ في الدكان غير ذي فائدة تُرْجى إلا من بعضِ زبائنَ ، و مع ذلك لم أتركْها و داومْتُ على الذهاب إليها حتى تَرَكَتْنِي هي (ووافقَ لفظُه لفظَ الشيخ أحمد أعلاه إذ تَرَكَهُ السببُ). تركتْني بأنْ طَلَبَها صاحبُها (الذي أجَّرْتُها منه) مني فأعطيتُه إياها، وكان ذلك علامةَ التجريد الذي أنا فيه الآن. اهـ.

وكان ذلك منه رحمه الله ورضي عنه، من شِدَّةِ وَرَعِهِ وتحرّيه أنْ يطلبَ شيئاً لم يُقِمْه الله فيه أو لم يُردْه له.

ثم إن الله تعالى أَذِنَ في السفر وتغيير العمل، فحصلَ التغييرُ ولما تأملتُ في مسيرتي من ذلك العهد لهذا العهد وجدتُ أنها حكمةٌ لا تُنْكَرُ. فقد استفدتُ من عملي الأول ووجودي فيه وأفادَ مني أناس كُثُر كانوا ثَمَّةَ، كما شاء الله لهم أن يُفيدوا. فالحمد لله على كل حال ونسأل الله التوفيقَ في كل خَطوةٍ والعصمةَ من الزلل وهوى النفسِ ومن الخذلان.

والله تعالى أعلم.

 

تصفح :<< ٧- لا يُشَكِكَنَّكَ في الوعْدِ عَدَمُ وقوعِ الموعودِ٦- لا يَكُنْ تَأَخُّرُ أَمَدِ العَطَاءِ مَعَ الالْحَاحِ في الدُّعَاءِ مُوجِبَاً لِيَأْسِكَ >>
  1. أي مُعلِمٌ أو إشارةٌ على []
0 0 أصوات
Article Rating
اشترك
Notify of

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Tarif
Tarif
9 years ago

جزاك الله خيراً أستاذ أسامة و نفع بك.

في الحديث عن لزوم ما أقامنا الله فيه (و مثال ذلك العمل أو الوظيفة) أذكر أنني في بداية حياتي المهنية عملت لدى شركة كبرى في دمشق و كان دخولي إليها بتقدير إلهي بديع. بعد أقل من سنة راودتني نفسي أن أترك هذا العمل و أدخل في شراكة مع شخصين في تأسيس عمل خاص و أعترف أنني على حداثة سني و خبرتي لم أقم بالدراسة الكافية النواحي المالية و التقنية عدا عن أنني لم أستشر شيخي و كنت مندفعاً جداً لما أملته من نفع مادي كبير و لكن لم يكن الأمر ميسراً أبداً و كان المشروع يتعسر باستمرار و لم يكتب له النجاح.
شاهد القول هنا، لما تركت الوظيفة علم عمي المرحوم الشيخ محمد أمين فاتصل بي و عاتبني على هذا القرار الطائش فكنت أدافع عن قراري لكنه أقسم لي أن هذا في عكس مصلحتي ( و فعلاً هذا ما تبين سريعاً) و ذكر لي حديثاً شريفاً لن أنسى ما حييت كم أثر بي و كم تعلمت منه و هو مصدق للحكمة العطائية أعلاه:
يقول عليه الصلاة و السلام : “إذا جعل الله لك في سبيل رزقاً فلا تغيره حتى يغيره الله لك” أو كما قال صلى الله عليه و سلم.
فأنا تسرعت في اتخاذ قرار الترك و لم آخذ بالأسباب المادية من دراسة جدوى الخ الخ عدى عن أنني لم أستشر و لم أستخر فندمت كثيراً و اليوم و بعد عشرين سنة من ذلك الحدث ما يزال هناك بعض المنغصات الموروثة الناتجة عن ذلك القرار المتسرع و عدم الالتزام بما أقامني الله به لما فيه خيري.

طبعاً هذا لا يعني عدم البحث عن الأفضل و عن مافيه
خيري الدنيا و الآخرة و لكن كل شيء بقدر و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله.

اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير

أعتذر عن الإطالة و أرجو أن لا أكون قد خرجت عن الموضوع.

Advisor 21
جواباً على  Tarif
9 years ago

جزاك الله خيراً على بذل المعروف و سَنِّ السؤال و التعليق، ونفع بكم.
الاعتراف بالمسيرة و التعلم من التاريخ من العلامات على الاخلاص، و سيأتي معنا في الحكم : من أشرقت بداياته أشرقت نهاياته.
و لاإطالة فيما تكتب مادام النفع عاماً للقارئين
و الشكر لك على ما قدمت.

0
نحب سماع رأيكم ، فأفيدونا من فضلكمx
()
x