- ٧- لا يُشَكِكَنَّكَ في الوعْدِ عَدَمُ وقوعِ الموعودِ
- ٢- إرادتُك التَجْريدَ مع إقامةِ اللهِ إياكَ في الأسبابِ من الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ
- ٦- لا يَكُنْ تَأَخُّرُ أَمَدِ العَطَاءِ مَعَ الالْحَاحِ في الدُّعَاءِ مُوجِبَاً لِيَأْسِكَ
- ٣- سوابِقُ الهِمم لا تخرِقُ أسوار الأقدار
- ٥- اجْتِهادُكَ فيما ضُمِنَ لك وتَقْصِيرُكَ فيما طُلِبَ منْكَ، دليلٌ…
- ٤- أَرِحْ نفسَكَ من التدبير
لا يَكُنْ تَأَخُّرُ أَمَدِ العَطَاءِ مَعَ الالْحَاحِ في الدُّعَاءِ مُوجِبَاً لِيَأْسِكَ، فإنَّهُ ضَمِنَ لَكَ الاجَابَةَ فيما يَخْتَارُ لَكَ لا فيما تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ وفي الوَقْتِ الذي يُريدُ لا في الوقْتِ الذي تُريدُ.
شرح الشيخ زروق:
قُلتُ: “الالحاحُ” التَكَرُّرُ في الدُّعاءِ بِحاجةٍ، مِن وجْهٍ واحد ، على سبيل الطَّلَبِ، وهو مطلوبٌ في الدعاء. والاجابةُ مضمونةٌ بِمُطلَقِ الدُعاءِ، فإذا قُمْتَ بِما طُلِبَ منك من الدعاءِ و الالحاحِ فيه، فلا تَيْأَسْ مِن الاجابةِ لأن يَأْسَكَ ناشِئٌ عن رُؤْيَةِ السَبَبِيَّةِ بِدُعَائِكَ، و إجتِهادِك في حاجَتِكَ، إذْ صَرَفَكَ تَأَخُّرُها عن بابِ مولاكَ، فَقَصَّرْتَ في المطلوبِ بالدعاءِ ؛ الذي هو إظْهارُ الفَاقَةِ و دَوَامُ الحُضُورِ بالمُناجاةِ فافْهَمْ !
و الناسُ ثلاثة :
١- رجلٌ قَصَدَ مولاهُ بالتفويضِ، فَحَصَلَ له الرِّضَا عنهُ، و دَوَامُ التَعَلُّقِ به ،في الوجودِ و العدمِ، فهذا لا يَنْصَرِفُ لِطولِ تَأَخُّرٍ ولا لِغيرِه .
٢- و رجلٌ وَقَفَ ببابِ مولاهُ((أي عند الدعاء لأن الداعي كالواقف على باب السلطان))، واثِقاً بِوعْدِهِ، و ناظِراً لِحُكمِهِ، فهو يَرْجِعُ على نفْسِهِ برؤيةِ التقصيرِ ،وفَقْدِ الشُّروطِ، عند التأخُّرِ؛ فَيُؤَدِّيهِ ذلك الى اليأسِ تارةً، و الى الرَّجاءِ أُخْرى، و إنْ تَيَسَّرَ مُرادُه عَظُمَتِ الشريعةُ في قَلْبِهِ .
٣- و رجُلٌ وَقَفَ بالبابِ، مَصْحُوباً بالعِلَلِ(( أي بالأسباب و مسبباتها))، مَنُوطَاً بالتَعَذُّرِ(( منوطاً أي متعلقاً أو مربوطاً بالتعذّر وهو يحتمل معنيين: الاعتذار الكاذب و الواهي و هو من شيم المنافقين، و المعنى الثاني هو الاستحالة، و قد يعني ذلك أن يرى الداعي استحالةَ استجابةِ اللهِ له بأنْ يَسْتَكْبِرَ طَلَبَهُ أو أن يستأخر الإجابة)) ، مَلْفُوفاً بالغَفْلةِ(( الغفلة عن كل ما ذُكرَ)) ، طالِباً للغَرَضِ(( و الغرض هو الهدف الذي في القلب و هو في هذه الحالة هدف دنيوي محض))، دون تَعْريجٍ((أي دون نظر أو اعتبار)) على حُكْمٍ ولا حِكْمةٍ ، هذا و ربَّما تَشَكَّكَ في الوعْدِ ،أو وَقَعَ في الحَيْرَةِ، أو دَانَ باليأسِ((أي اتخذ اليأس مذهباً و ديدناً))، لا لِسببٍ ؛ نسألُ اللهَ العافيةَ و قد قالَ الشيخُ أَبو مُحَمَّدٍ عبدُ العزيزِ المَهْدَوِيُّ رضي الله عنه:
منْ لم يَكُنْ في دُعَائِه تَاركاً لاخْتيارِهِ ، راضِياً باخْتيارِ الحَقِّ تعالى له، فهو مُسْتَدْرَجٌ ! و هو ممن قيل فيه :(إقضوا حاجَتَهُ ..فإني أكْرَهُ أنْ أَسْمَعَ صوتَهُ … الحديث القدسي). فإن كانَ مَعَ اختيارِ اللهِ تعالى لا مَعَ اختياره لِنَفْسِهِ ،كانَ مُجاباً وإنْ لم يُعْطَ، و الاعمالُ بِخواتِمها
و إنما يَنْتَفي الجَهْلُ المُؤَدِّي لليَأْسِ، بالعلمِ باتساعِ الوعدِ، وأنَّ وُقوعَهُ غيرُ محْصورٍ و هذا ما بَيَّنَهُ المؤلِفُ إذ قال :
فهو ضَمِن لك الاجابةَ فيما يختارُ لك لا فيما تختارُ لِنفسك و في الوقتِ الذي يُريد لا في الوقتِ الذي تُريد
قُلتُ : و ذلكَ كُلهُ مُضَمَّنٌ في قوله تعالى : ( ادْعوني أستَجِبْ لَكُم )-البقرة-. فَضَمِنَ الاجابَةَ بوعده، وجَعَلَها مُطْلَقَةً، إذْ لمْ يَقُل: بعين((أي بنفس ما طلبتم)) ما طَلبتُم ، ولا متى شِئتُم ، و لا كيف شِئتُم((أي ادعوني أستجب لكم بعين ما طلبتم أو أستجب لكم متى شئتم و كيف شئتم)) . و أَكَّدَ ذلك رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلَّمَ بِقولِهِ :
ما مِنْ داعٍ إلا وَهُوَ بَيْنَ إحدى ثَلاثٍ : إما أن تُعَجَّلَ له طُلْبَتُهُ أو يُؤَخَّرَ لَهُ ثوابُها أو يُصرَفَ عنه مِنَ السُّوءِ مِثلُها.
و قال عليه السلام :
يُستجابُ لأحدِكُم مالم يُعَجِّلْ : يقولُ دعوْتُ فلم يُستَجبْ لي
و رُوِيَ أنَّهُ كانَ بَيْنَ إجابَةِ موسى و هَارونَ ـ عليهما السلام- و قولِهِ تعالى : (قَدْ أُجِيْبَتْ دَعْوَتُكُمَاْ) أربعون سنة!
قال الشيخُ ابو الحسنِ الشاذلي – رضي الله عنه – في قوله تعالى:
(قَدْ أُجِيْبَتْ دَعْوَتُكُمَاْ فَاسْتَقِيْمِا) أي: على عدمِ الاستعجال
(ولا تَتَّبِعَانِّ سَبيلَ الذينَ لا يَعْلَمُونَ)-يونس-٨٩. أي الذين يَسْتَعْجِلونَ في الدُّعاء .
و إنما جُعِلَ الاجابةُ فيما اخْتارَهُ تعالى عيناً ووقْتاً لِوجوهٍ ثلاثة:
١- رِفْقَاً بِعَبْدِهِ وعِنَايَةً، لأنَّهُ كَريمٌ رَحيمٌ عَليمٌ ، و الكريمُ اذا سأله من يَعِزُّ عليه ، أعطاهُ أَفْضَلَ ما عَلِمَهُ له. و العبدُ جاهلٌ بالصَّلاحِ و الأصلحِ ، فَقَدْ يُحِبُّ الشيءَ و هُو شَرٌ لَهُ، ويَكْرَهُ الشَيءَ وهوَ خَيْرٌ له فافهم !
٢- الثاني: لأنَّ ذلك أبْقَى لأحْكامِ العبوديَّةِ في نَظَرِ العَبْدِ و أقْوَى في ظُهورِ سَطْوَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، إذْ لو كانَتِ الاجَابَةُ بالدُّعاءِ على وَفْقِ المُرادِ ضِمْناً لكانَ نَفْسُ دُعائِهِ تَحَكُّمَاً على اللهِ و ذلكَ باطِلٌ فافهم!
٣-الثالث: لأنَّ الدُّعاءَ عُبُودِيَّةٌ ، سِرُّها إظْهارُ الفَاقةِ ، ولو كانَتِ الاجابَةُ بعيْنِ المُراد حَتْماً، لما صَحَّتْ فَاقةٌ في عَيْنِ الطَّلَبِ، فَبَطَلَ سِرُّ التَكْلِيفِ بهِ، ومَعْنى الاضْطِّرارِ المطلوبِ فيه فافهم!
و قد قال بعضُهم:
فائِدَةُ الدُّعاءِ إظْهارُ الفَاقِةِ بيْنَ يَدَيْهِ و إلا فالرَبُّ يَفْعَلُ ما يَشَاءُ
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً هي أَبْلَغُ مِنَ التي قَبْلَها في نَفْيِ اليَأْسِ و الثِّقَةِ بالوَعْدِ وإنْ تَعَيَّنَ الزَّمانُ فقال :الحكمة العطائية السابعة
جزاك الله خيرا بينت من الحقائق ماخفي
الإجابة مضمونة ولكن العطاء غير محدد بما طلب ، اذا فلم نطلب ما هو محدد ولا نجمل في الطلب ألعلنا نكون عند طلب أمر محدد أكثر التجاء وضراعة ؟
اطلب ما شئت ما لم تَتَعَجَّلْ
قال عليه الصلاة و السلام : لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ . قِيل : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ ؟ قَال : يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدّعَاءَ . رواه مسلم
و في حديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مـا من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه الله بـها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدّخرها له في الآخرة ، وإمـا أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر ؟ قال : الله أكثر . رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وعبد بن حميد ( ص 292 ) والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي . وهو حديث صحيح .
وكان عمرُ رضي الله عنه يقول : إنّي لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء ، فإذا أُلهمتُ الدعاء فإن الإجابة معه .
ومن الدلائل على أن الله تقبل دعاء العبد أن ينشرح صدر العبد ويطمئن لمسألة ربِّـه والإلحاح عليه ، ولو لم يحصل مقصوده .
على أنَّ من الآداب المرعية في الدعاء الاجمال في الطلب ، لأن التفصيل فيه سوء أدب مع علم الله و واسع حكمته إذ أنه أعلم بما يُصْلِحُ العبدَ من العبد نفسه.